للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- أبو الأسود الدؤلي «١٣»

وأما علم النحو الذي هو رأس علوم الإسلام، وبه تتبين سبل الكلام؛ فإنما نبع من المشرق وامتدّ منه سحابه المغدق، ثم منه بقية الآفاق امتاروا، وحملت أهل المغرب أوقار «١» الركائب وساروا. وسنذكر إن شاء الله مشاهير أهله، وننبّه على فضل كل منهم ونبله، ونبدأ بأول من وضع هذا العلم، وهو أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمر بن سفين بن جندل بن يعمر ابن حلس بن بقاية بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة، أول أهل النحو. هذا الذي استنبط معينه واستنشط معينه، وانتصر للعرب وقد فسدت ألسنتها وضفيت حسنتها، وقام قياما حملته عليه العربية وحمية الغضب لهم والعصبية، ورأى العرب وقد استوطنت ريف العراق، كثر اختلاطها بفارس والروم وسائر أخلاط العجم، وانحبس من قطرها ما انسجم، وزاده استفهام ابنته عن الأحسن من نجوم السماء ما زاد باعثه وأحدث حادثه، فبات بليلة كأنما قصّت قوادم غرابها ولم ير من عدد الصباح إلّا لوامع سرابها. فلمّا انفجر دمّل ليله، وقرّت في منبثق النهار قرارة سيله أتى مدينة العلم من بابها، وهبّ لحاجته ما أعدّ من أسبابها، فقوّم له أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ذلك المناد «٢» ، وعاد صلاحه على ذلك الفساد، وعلّمه كلمات بها تاب الله على لسان العرب وأمسك منه ما كان قد اضطرب.

ويروى أن الذي قال له: الكلمات ثلاث لم يزده عليها، وقال بعضهم قاله: الكلمات ثلاث اسم وفعل وحرف. قال آخرون: قال له، اعلم أنّ الكلمات ثلاث لا يمكن الزيادة عليها، ولا النقص منها وهي اسم وفعل وحرف. وقد زعم كثير أنه إنما استأذن في ذلك زياد

<<  <  ج: ص:  >  >>