أطنب فأطرب، وأعرب فأغرب، وجمع شتى الأصوات وزيّنها، وأتى بالغرائب وحسّنها، وانهل منه صيّب لا يعرف الإمساك، وتدفق سكوب لو كنت تتذكر معه البحر لأنساك، تقدم في أهل صناعته حتى كان لا يراهم إلا إذا التفت، وفرع منهم حاجة الجلساء حتى تمسكت به فاكتفت.
قال أبو الفرج، قال جحظة، حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكّي، قال: ناظر أبي بعض المغنين ليلة بين يدي المعتصم وطال تلاحيهما في الغناء، فقال [أبي] للمعتصم: يا أمير المؤمنين، من شاء منهم فليغنّ عشرة أصوات لا أعرف فيها ثلاثة، وأنا أغني عشرة وعشرة وعشرة، لا يعرف أحد منهم صوتا منها، فقال إسحاق: صدق يا أمير المؤمنين، واتبعه ابن بسخنر وعلوية «٢» ، فقالا: صدق إسحاق يا أمير المؤمنين، فأمر له بعشرة آلاف درهم. قال محمد «٣» : ثم عاد ذلك الرجل إلى مماظته «٤» يوما، فقال: قد دعوتك إلى النصفة فلم تقبل، وأنا أبدأ بما دعوتك إليه، فاندفع فغنّى عشرة أصوات، فلم يعرف أحد منهم صوتا واحدا، كلها من الغناء القديم، والغناء اللاحق به صنعة المكييّن الحذّاق