أقصدني «١» إليه، وسألته إعادته عليّ، فقال: والله لو كان عندي قرى «٢» لما فعلت، ولكني أجعله قراك، فربما ترنمت به وأنا جائع فأشبع، وكسلان فأنشط، ومتوحش فآنس، فأعاده عليّ مرارا حتى أخذته، فو الله ما كان لي كلام غيره حتى دخلت المدينة، ولقد وجدته كما قال.
قال عمر الوادي: خرج إليّ الوليد بن يزيد يوما، وفي يده خاتم فضة وعليه ياقوت أحمر، فقال لي: أتحب أن أهبه لك؟ قلت: نعم والله يا مولاي، فقال:
غن في هذه الأبيات التي أنشدكها، واجهد نفسك، فإن أصبت إرادتي فهنيئا لك، فقلت: أجهد وأرجو التوفيق، فقال:«٣»[مجزوء الوافر]
ألا يسليك عن سلمى ... قتير الشّيب والحلم
وأنّ الشّك ملتبس ... فلا وصل ولا صرم
وكيف بظلم جارية ... ومنها اللين والرّحم
فخلوت في بعض المجالس، وما زلت أديره حتى استقام، ثم خرجت إليه وعلى رأسه وصيفة وبيدها كأس، وهو يروم شربه فلا يقدر خمارا «٤» ، فقال: ما صنعت؟
قلت: قد [ص ١٤٤] فرغت ممّا «٥» أمرت به، وغنيته، فصاح: هذا والله، ووثب قائما، وأخذ الكأس وقال: أعد فديتك، فأعدته عليه، فشرب ودعا ثانيا وثالثا ورابعا، وهو على حاله يشرب قائما حتى كاد أن يسقط، وجلس ونزع الخاتم والحلة التي كانت عليه، وألبسنيها وأجلسني في حجره وقال: و [الله] العظيم لا تبرح هكذا حتى أسكر، وما زلت أعيده ويشرب حتى مال على جنبه سكرا ونام.