صنعة لا يدخل الخلل ضروبها، ولا يكون بلوغ الأمل ضريبها، ولا يتم سرور المجالس إلا إذا سمع منه في جنباتها، وطلع عوده المخضرّ الغضّ في جنباتها، فكان مجنى المحاضر، ومنى السامع والناظر.
قال أبو الفرج: اتصل بالوليد بن يزيد فتقدم عنده، وكان يسميه جامع لذاتي ومحيي طربي، وقتل الوليد وهو يغنيه، وكان آخر الناس عهدا به.
وقيل إن الوليد كان يوما جالسا وعنده عمر الوادي وأبو رقيّة، وكان ضعيف العقل [ص ١٤٣] وكان يملي المصحف على [أم] الوليد «١» ، فقال الوليد لعمر وقد غنّاه صوتا: أحسنت والله يا جامع لذاتي، وأبو رقية مضطجع، وهم يحسبونه نائما، فرفع رأسه إلى الوليد وقال له: وأنا جامع اللذات لأمك، فغضب الوليد وهمّ به، فقال له عمر الوادي: والله جعلني الله فداك ما يعقل أبو رقيّة وهو سكران، فأمسك عنه، قال عمر الوادي: بينا أنا أسير من العرج «٢» والسّقيا، إذ سمعت إنسأنا يغني غناء لم أسمع قط أحسن منه، وهو هذا:«٣»[الطويل] .
وكنت إذا ما جئت ليلى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة أن تعيدها
فكدت أسقط من ناقتي طربا، فقلت: والله لألتمسن الصوت والوصول إليه ولو بذهاب عضو من أعضائي، فقصدت نحو الصوت حتى ذهبت من الشرف «٤» ، وإذا أنا برجل يرعى غنما، فإذا هو صاحب الصوت، فأعلمته الذي