الفاضل رحمه الله، وقد ذكره وما منّا إلّا من دخل داره، وشنّ على كلامه الغارة، وخرج وعلى كتفه منه الكارة.
قلت: أخذ عن أبي عبيدة والأصمعي، وأبي زيد الأنصاري، وأخذ النحو عن الأخفش، وكان صديقه. وأخذ الكلام عن النظّام، وتلقف الفصاحة من العرب شفاها بالمربد.
حدّث أبو هفان قال: لم أر قطّ ولا سمعت أحبّ إلى الجاحظ من الكتب والعلوم؛ فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلّا ليستوفي في قراءته كائنا ما كان؛ حتى إنه كان يكتري دكاكين الورّاقين ويبيت فيها. والفتح بن خاقان كان يحضر لمجالسة المتوكل، فإذا أراد القيام لحاجة أخرج كتابا من خفّه أو كمّه إلى حين عوده من الخلاء لمجالسة المتوكل، فإذا أراد القيام لحاجة قضى شغله.
وكان واسع العلم بالكلام، كثير التبحر فيه، شديد الضبط لحدوده، ومن أعلم الناس به وبغيره من علوم الدين والدنيا. وله كتب مشهورة جليلة في نصرة الدين، وفي حكاية مذاهب المخالفين والأخلاق والآداب، وفي ضروب الهزل والجدّ؛ وقد قرأها الناس وتداولوها وعرفوا فضلها. وإذا تدبّر العاقل المميّز كتبه علم أنه ليس في تلقيح العقول وشحذ الأذهان، ومعرفة أصول الكلام وجواهره، وإيصال خلاف الإسلام، ومذاهب الاعتزال إلى القلوب كتب تشبهها والجاحظ عظيم القدر في المعتزلة وغير المعتزلة.
قال الجاحظ: لمّا مسخ الله الإنسان قردا وخنزيرا وترك فيه شبها من الإنسان. ولما مسخ الله زماننا لم يترك فيه شبها من الزمان.
وقال الجاحظ: ليس جهد البلاء مدّ الاعناق وانتظار وقع السيف؛ لأنّ الوقت قصير والحس مغمور، ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلّة وتطول المدّة، وتعجز للحيلة، ثم لا تعدم صديقا مؤنبا وابن عمّ شامتا وجارا حاسدا ووليّا ينتهرك.
وقال: إذا سمعت الرجل يقول: ما ترك الأول للأخير شيئا فاعلم ما يريد أن يفلح.
وقيل: إن الجاحظ خدم في ديوان الرسائل أيام المأمون ثلاثة أيام، ثم استعفى فأعفي.