حدّث أبو العيناء، قال: كان لي صديق فجاءني يوما فقال لي: أريد الخروج إلى فلان العامل، وأحببت أن تكون معي إليه وسؤاله، وقد سألت من صديقه؟ فقيل لي: أبو عثمان الجاحظ، وهو صديقك، وأحببت أن تأخذ لي منه إليه كتابا بالعناية. قال: فصرت إلى الجاحظ فقلت له: جئتك مسلّما وقاضيا للحق، ولي حاجة لبعض أصدقائي، وهي كذا وكذا. قال: لا تشغلنا الساعة عن المحادثة وتعرف أخبارنا إذا كان في غد وجهت إليك بالكتاب، فقلت لولدي: هذا الكتاب لفلان ففيه حاجته. فقال لي: إنّ أبا عثمان بعيد الغور، فينبغي أن نقصّه وننظر ما فيه، ففعلت، فإذا في الكتاب: هذا كتابي مع من لا أعرفه، وقد كلمني فيه من لا أوجب حقّه، فإن قضيت حاجته لم أحمدك وإن رددته لم أذممك. فلما قرأت الكتاب مضيت إلى الجاحظ من فوري، فقال: يا أبا عبد الله قد علمت أنك أنكرت ما في الكتاب، فقلت: أو ليس موضع نكره، فقال: لا، هذه علامة بيني وبينه فيمن اعتنى به. فقلت: لا إله إلّا الله، ما رأيت أحدا أعلم بطبعك، ولا ما جبلت عليه من هذا الرجل، علمت أنه لمّا قرأ الكتاب قال: أمّ الجاحظ عشرة آلاف قحبة، وأم من يثبت له حاجة. فقلت له: ما هذا؟ أتشتم صديقنا؟ فقال: هذه علامتي فيمن أشكره، فضحك الجاحظ، وحدّث بذلك الفتح بن خاقان، وحدّث الفتح المتوكل، فذلك كان سبب اتصالي به، وإحضاري مجلسه.
ومن كلام الجاحظ: احذر من تأمن فإنك حذر على من تخاف. وقال: أجمع الناس على أربع. أنه ليس في الدنيا أثقل من أعمى، ولا أبغض من أعور، ولا أخفّ روحا من أحدب، ولا أقود من أجدب.
قال: أربعة أشياء ممسوخة، النيك في الماء، والقبلة على النقات «١» والغناء من وراء الستار «٢» .