للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدّث الجاحظ مرّة بحضرة السدوي، وكيف قال، لأنها تأخذ الدراهم وتمتّع بالناس والطيب، وتختار على عينها من تريد، والتوبة معروضة لها متى شاءت فقال: وكيف عقل العجوز؟ قال: هي أحمق الناس وأقلّهم عقلا.

وقال أبو سعيد السيرافي: حدثنا من الصابئين كتّاب، أن ثابت بن قرّة، قال: ما أحسد هذه الأمة العربية إلا على ثلاثة أنفس؛ فإنه: [الكامل المرفل]

عقم النّساء فلا يلدن شبيههم ... إن النّساء بمثلهم عقم

فقيل له: احص لنا هؤلاء الثلاثة: فقال: عمر بن الخطاب في سياسته وتقضيته وحدوده، وبحفظه ودينه وجزالته ونزالته وصرامته وشهامته، وقيامه في صغير أمره وكبيره بنفسه؛ مع قريحة صافية وعقل وافر، ولسان عضب وقلب شديد، وطوية مأمونة، وعزيمة مأمومة وصدر منشرح، وبال منفسح وبديهة نصوح، وروية لفوح، وسرّ طاهر وتوقيف حاضر، ورأي مصيب وأمر عجيب، وشأن غريب. دعم الدين وشيّد بنيانه، وأحكم أساسه ورفع أركانه، وأوضح حجته وأنار برهانه. ملك في زيّ مسكين. ما جنح في أمر ولا نوى، ولا غضّ طرفه على خنا. ظهارته كالبطانة، وبطانته كالظهارة. جرح وواسى، ولان وقسا، ومنع وأعطى، واستجدى وسطا. كل ذلك في الله ولله. ولقد كان من نوادر الزمان.

قال: والثاني، الحسن ابن أبي الحسن البصري؛ فلقد كان من دراري النجوم علما وتقوى وزهدا، ورعوى وعفّة، ورقة وتألّها وتنزها وفقها ومعرفة وفصاحة، ونصاحة. مواعظه تصل إلى القلوب، وألفاظه تلبس العقول. ما أعرف له ثانيا ولا قريبا ولا متدانيا. كان منظره وفق مخبره، وعلانيته في وزن سريرته. عاش سبعين سنة لم يعرف لمقاله سبقا، ولم يزلّ بريبة ولا فحشا. سليم الدين نقيّ الأديم، محروس الحريم يجمع مجلسه ضروب الناس وأصنافهم لما يوسعهم من بنانه، ويفيض عليهم بإحسانه. هذا يأخذ عنه الحديث وهذا يلقن منه التأويل، وهذا يسمع الحلال والحرام، وهذا يتبع من كلام العربية، وهذا يجوّد له المقالة، وهذا يحكي الفتيا، وهذا يتعلم الحكم والقضاء وهو في جميع هذا كالبحر الفجاج تدفقا، وكالسراج

<<  <  ج: ص:  >  >>