الوهّاج تألقا. ولا ننسى مواقفه ومشاهده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الأمراء وأشباه الأمراء بالكلام الفصل، واللفظ الجزل والصدر الرحيب والوجه الصلب، واللسان العضب كالحجاج، وفلان وفلان مع سادة الدين وبهجة العلم. لا تثنيه لائمة في الله، ولا تذهله رابعة عن الله يجلس تحت كرسيّه قتادة صاحب التفسير وعمرو وواصل صاحب الكلام، وابن أبي اسحاق صاحب النحو، وفرقد السخي صاحب الرقائق، وأشباه هؤلاء ونظراؤهم. فمن ذا مثله ومن يجري مجراه؟.
والثالث، أبو عثمان الجاحظ، خطيب المسلمين وشيخ المتكلمين، ومدرة المتقدمين والمتأخّرين. إن تكلم حكى سحبان «١» في البلاغة، وإن ناظر سارع النظّام في الجدال، وإن جدّ خرج في ليل عامر بن عبد قيس، وإن هزل زاد على مريد حبيب القلوب ومزاح الأرواح.
وشيخ الآداب ولسان العرب. كتبه رياض زاهرة، ورسائله أفنان مثمرة. ما نازعه منازع إلّا رشأه أبقى ولا تعرّض له منقوص إلّا قدّم له التواضع واستبقى. الخلفاء تعرفه والأمراء تصفه والكبراء تنادمه، والعلماء تأخذ عنه، والخاصة تسلّم عليه والعامة تحبّه.
جمع بين اللسان والقلم، وبين الفطنة والعلم وبين الرأي والأدب، وبين النثر والنظم، وبين الذكاء والفهم. طال عمره وفشت حكمته، وظهرت حيلته، ووطئ الرجال عقبه، وتهادوا أدبه، وافتخروا بالانتساب إليه، ونجحوا بالاقتداء بما أوتي من الحكمة وفصل الخطاب.
قال صاحب بغية الألباء: هذا قول ثابت. وهو رجل صابئيّ، لا يرى للإسلام حرمة، ولا للمسلمين حقّا، لا يوجب لأحد منهم ذماما، وقد انتقد هذا الانتقاد ونظر هذا النظر، وحكم بهذا الحكم، وأبصر الحق بعين لا غشاوة عليها من الهوى، ونفس لا لطخ بها من التقليد، وعقل ما يحيل عليه بالعصبية. ولسنا نجهل مع ذلك فضل هؤلاء الثلاثة من السلف الطاهر والخلف الصالح ولكن عجبنا فضل عجب من رجل ليس منّا، ولا من أهل