ملتنا ولغتنا، ولعلّه ما خبر عمر بن الخطاب كلّ الخبرة، ولا استوعب كلامه الحسن من المنقبة، ولا وقف على ما لجميع أبي عثمان من البيان والحكمة بقوله هذا القول، ويتعجب هذا التعجب ويحسد هذه الأمة بهم هذا الحسد، ويختم كلامه بأبي عثمان ويصفه بما يأتي الطاعن عليه أن يكون له شيء منه، ويغضب إذا ادّعى ذلك له، أو وقر عليه هل هذا إلّا الجهل الذي يرجم المثل به.
قيل لأبي هفّان: لم لم تهج الجاحظ؟ هدر دمك وأخذ بمخنقك. فقال: أمثلي يخدع عن عقله؟ والله لو وضع رسالة في أريبة أفعى لما أمست إلّا في الصين. ولو قلت فيه ألف بيت لما ظن منها بيت في ألف سنة. قال المبرّد: سمعت الجاحظ يقول: كل عشق يسمى حبّا وليس كل حبّ يسمى عشقا؛ لأن العشق اسم لما فضل من المحبّة، كما أن الشرف اسم لما جاوز الجود. والبخل اسم لما نقص عن الاقتصاد. والجبن اسم لما فضل عن شدّة الاحتراس.
والهرج اسم لما فضل عن الشجاعة.
وقال أبو الفضل ابن العميد: ثلاثة علوم، الناس كلهم عيال فيها على ثلاثة أنفس، الفقه فعلى أبي حنيفة؛ لأنّه دوّن وخلد، وجعل من يتكلم به بعده مشيرا إليه ومخبرا عنه، والكلام فعل أبي الهذيل، والفصاحة واللّسن فعل أبي عثمان الجاحظ.
وحدّت يموت بن المزرع عن خاله الجاحظ، قال: يحبّ للرجل أن يكون سخيّا لا يبلغ التبذّير، شجاعا لا يبلغ الهرج، متحرسا لا يبلغ الجبن، حبيّا لا يبلغ العجز، ماضيا لا بيلغ الفجه، قؤولا لا يبلغ الهذر، صموتا لا يبلغ العيّ، حليما لا يبلغ الذلّ، منتصرا لا يبلغ الذلّ، وقورا لا يبلغ البلاد، نافذا لا يبلغ الطيش. ثم وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد جمع ذلك في كلمة واحدة، وهي: خير الأمور أوساطها؛ فعلمنا أنه صلى الله عليه وسلّم قد أوتي جوامع الكلم، وعلم فصل الخطاب.
وقال أبو زيد البلخي: ما أحسن ما قال الجاحظ: عقل المنشئ مشغول وعقل المتصفح فارغ.
وحدّث المبرّد، قال: دخلت على الجاحظ في آخر أيامه، فقلت: كيف أنت؟ فقال: