كيف يكون من نصفه مفلوج، لو حزّ بالمنشار ما شعر به، ونصفه الآخر منقرس، لو طار الذباب بقربه لآلمه. وأشدّ من ذلك نيف وتسعون ثم انشدنا «١» : [الوافر]
أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيّام الشّباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الثّياب «٢»
وحدّث أبو محمد الحسن بن عمر الجرمي، قال: كنت بالاندلس، فقيل لي: إن هاهنا تلميذا لأبي عثمان الجاحظ، يعرف بسلام بن يزيد، فأتيته، فرأيت شيخا هرما، فسألته عن سبب اجتماعه بأبي عثمان، ولم يقع أبو عثمان إلى الأندلس، فقال: كان طالب العلم بالمشرق يتشرّف عند ملوكنا بلقاء أبي عثمان فوقع إلينا شيء من كتبه، فخرجت لأعرّج على شيء؛ حتى قصدت بغداد، فسألت عنه، فقيل لي بالبصرة. فانحدرت إليه، وسألت عن منزله فأرشدت إليه ودخلت إليه؛ فإذا هو جالس وحواليه عشرون صبيا، ليس فيهم ذو لحية غيره فدهشت، فقلت: أيّكم أبو عثمان؟ فرفع يده وحرّكها في وجهي، وقال: من أين؟ قلت: من الأندلس. فقال: طينة حمقاء. فما الاسم؟ قلت: سلام. قال: اسم كلب القرّاد. ابن من؟ قلت: ابن يزيد. قال: بحق ما صرت. أبو من؟ قلت: أبو خلف. قال: كنية قرد زبيدة. ما جئت تطلب؟ قلت: العلم. قال: ارجع بوقت فإنك لا تفلح. قلت: ما أنصفتني فقد اشتملت على خصال أربع، جفاء البلدية، وبعد الشقّة، وغرّة الحداثة ودهشة الداخل. قال: فترى حولي عشرين صبيا ليس فيهم ذو لحية غيري ما كان يجب أن تعرفني بها. قال: فأقمت عليه عشرين سنة.
وقال أبو العيناء: أنشدني الجاحظ لنفسه: [الوافر]
يطيب العيش أن تلقى حكيما ... غذاه العلم والرأي المصيب
فيكشف عنك حيرة كلّ ريب ... وفضل العلم يعرفه الأريب