أمر الناس، وجميعهم لهم أتباع، وإذا كان هذا الأمر لقريش فلابد أن يكون منهم واحد يجمع أمرهم، وهو الإمام، وما من البشر مطيعهم وعاصيهم في مشارق الأرض ومغاربها إلا مأموم به، وإن كان منهم عصاة أو خالع لربقة الطاعة، فإنه يلزمهم حكمه بشريعة الدين وعقيدة الإسلام، ولا يقدر يخالف في هذا أحد من المسلمين ولا ينازع مؤمن أنه داخل في إمرة أمير المؤمنين، فحينئذ الأئمة هم سكان الأرض وبقية من فيها ضميمة لهم أو كالضميمة، وعلى هذا الرأي بنينا هذا القسم من أوله، وبيّنا كثيرا من تفاصيله وجمله، فذكرنا ما نقل إلينا مما كان من بداء الخلق، ومن كان في زمان كل من الأنبياء صلوات الله عليهم والملوك المؤمنين والكفار، فإن قال قائل: فلم ذكرت الملوك قبل الإسلام مع وجود الأنبياء، ومن أولئك الملوك كفار، لا بل غالبهم، ولم نذكرهم مع الخلفاء، والأنبياء أعلا درجة من الخلفاء، وملوك الإسلام خير من ملوك الكفار؟ الجواب:
أن النبي كان يبعث إلى قومه خاصة، ولا [ص ٩١] تتعدى دعوته مكان بعثته، والأرض مملوءة بالملوك، ومنهم من لم يرسل في ذلك الوقت إليه، ولا إلى قومه، فاحتجنا إلى أن نذكر الملوك لهذا السبب، إذ كنا بصدد ذكر سكان الأرض، وليس في أولئك الأنبياء من له دعوة عامة، فإذا ذكر هو أو خليفة اكتفي به عن سائر الناس، ونبينا صلى الله عليه وسلم دعوته عامة، فإذا ذكر هو أو خليفته اكتفي به عن سائر الناس، كما قال تعالى مخاطبا عنه: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً
«١» ، فلما كانت دعوته عامة، كانت دعوة خلفائه عامة، فلهذا لم يبق مقتض لذكر أحد معهم، فإن قال: كيف تتكلم في سكان الأرض، وإنما أنت تتكلم في واحد منهم؟ فالجواب: إنّا لو أردنا ذكر الناس رجلا رجلا، لأردنا ما ليس في الإمكان، وإنما إذا ذكرنا الخلفاء نكون كأنا ذكرنا