أشد من العصابة العلوية وقدمتهم على بني العباس لما تقتضيه الأولوية.
فأما خلافة الاجماع والإمامة التي ختمت كالشمس، ومدت أطناب الشعاع، فهي بعد خلافة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن رضي الله عنهم، الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، وما سواهما كالشذوذ، وكل عقد إلا لهما فهو في حقيقة الحال منبوذ.
وأول ما نبدأ بذكر الدولة العباسية، فإنها وإن كانت المعقبة لبني أمية والآتية بعدها على ما قد كان، فأبتدئ بالأقرب مخرجا من النبعة النبوية، والأدنى إلى مناسبها الزكية، ونحن نذكر إن شاء الله تعالى دولها الشهيرة ثم نصلها بما وصل إلى مصر في أيام ملوك الأتراك وتعلل فيها دماؤهم حتى مات وقبر هناك، ثم نذكر الدولة الأموية [ص ٩٠] ونصلها بمن دخل الأندلس وكان بها، حتى انكدر أفقهم، وطمس وهوى منهم الرفيع ودرس، إن في ذلك لعبرة، وإن فيه لما يجري للعبرة، وهي عوائد عوادي النوب، أخمدت نار كسرى، ورمت تاج قيصر قسرا، وأماتت افراسياب على شاطئ النهر قهرا، أذلت عزة بني عبد المدان، وحطت تخت تبّع من رأس غمدان «١» ، وكان الأول في ذكر سكان الأرض أن تقدم في صدر الملة الإسلامية هاتان الدولتين، ونعزل مما أناف لآل عبد المناف الذروتين، لأن أهل هاتين الدولتين من بني أمية ثم من بني العباس هم الخلفاء حقا بعد الراشدين وصدقا، لولا كذب ادعاء المعاندين، وقد ذكرنا سكان الأرض، وهذا الاسم أصدق ما أطلق على الخلفاء، لقوله صلى الله عليه وسلم:
(لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم لسان)«٢» ، فهذا نص على أنهم ولاة