حضرة القاهرة، وسفرته من إفريقية إلى مصر وما ظهر منه من حسن التدبير، وهبوب النصر والحزم والاستيلاء، كسفرة المأمون «١» من خراسان إلى بغداد، وتسكينه ما اشتعل من نار الفتنة، وظهر من ابنه العزيز «٢» من حسن المداراة والتسكين للناس ما ضرب من أجله المثل بأيامه في مصر، وصار يقال أحسن من أيام العزيز، وكان من عجائبهم المستنصر «٣» فإنه جاوز في أمر الخلافة ستين سنة، ولم يبلغ هذه المدة خليفة في المشرق، وكانت له من خزائن الأموال وعظم الأسد ونفوذه، واتساع الخطبة وفيضها في أقطار المشرق والمغرب ما يطول ذكره، ثم انعكس عليه ذلك، فاقتنصت البلاد بالمشرق والمغرب منه (ص ٥٣) واضطرمت الفتن بحضرته بالقاهرة، وافتقر وضعف أمره، وآل حاله إلى أن قال لشخص من خواصه طالبه بشيء: والله لقد أصبحت لا ينفذ لي أمر إلا من مكاني إلى باب قصري، ولا أملك مالا إلا ما تراه عليّ وتحتي «٤» .
وعبيد الله المهدي أوّل خلفائهم «٥» يشبّه بالسفاح أول خلفاء بني