وقال أبو أحمد بن عدي «١» : سمعت عدة مشايخ يحكون أن البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا، وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث (ص ١٦٧) من الغرباء من أهل خراسان وغيرها، فلما اطمأن المجلس انتدب إليه رجل من الغرباء فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فهم الرجل، ومن كان منهم غير ذلك، يقضي على البخاري بالعجز والتقصير، وقلة الفهم، ثم انتدب رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري:
لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال لا أعرفه، حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول في كل ذلك: لا أعرفه. ثم انتدب إليه الثالث ثم الرابع، إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة المائة، ولا يزيدهم البخاري على قوله لا أعرفه، فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم، وقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها، فأقر له الناس بالحفظ،