وما منهما إلا من هو عليه مرتبط، وبه مغتبط، يذيع إليه سرّه في صاحبه، ويتبسّط لديه في معاتبه. وهو ساكت لا ينطق بحرف، ولا يشارك حتى ولا بإيماء طرف، وعرف بهذا واشتهر حتى صار عندهما موضع الثقة، ومكان المقة «١» . ومحل الصداقة المحققة، ثم كان يسعى في صلاح ذات بينهما فيعجز، ويعده كل منهما به ولا ينجز، فأغمد لسانه، وترك كلّ امرئ منهما وشأنه، وكان ممن ينفع الطلبة، ويستلذ في راحتهم تعبه، ويحرص على إسماعهم، ويقيّد مجالس سماعهم، لا يشغله عنهم ما كان معدّا له من حضور مجالس الحكام، والتسجيل عنهم بالأحكام، وحضور الوظائف، ومجالسة أكثر الطوايف، ثم بلغني أنه توجه إلى الحج فمات بخليص «٢» وقد استقبل مكة ميمما، وكفّن في ثياب إحرامه ليبعث يوم القيامة ملبيا محرما «٣» .
ولد في عاشر جمادى الأولى سنة خمس وستين وستمائة، واعتنى بالرواية من صغره، فقرأ بنفسه الكتب الكبار، ورحل إلى الديار المصرية، والثغر «٤» والبلاد الشمالية، وسمع مما ينيف على ألفي شيخ، وأجاز له ألف آخر، فاشتمل معجمه على نيف وثلاثة آلاف شيخ، وكتب من الأثبات «٥»