والعجال، إتقانا للمواليد والوفيات، والتكميل والفوات، والجرح والتعديل بالأمور الظواهر والخفيّات، وصنّف الكتب التي ما شنّف بمثلها قبله أذن الدنيا مشنّف، ولا صنف مثله قبلها مصنّف، سعة معرفة لا يضيق بها حصر، ولا يضيع في جانبها أهل عصر، مع اطلاع على اللغة آنس به غريبها، وحبس عليه عريبها «١» ، بمعارف قصرت مدته عن تحصيلها، وجملته عن تفصيلها، إلا أن الله سهّل له صعابها، وهوّن عليه أتعابها، فبلغ منها ما لم يصل إليه أمل آمل، ونبغ فيها وأنبه أهل زمانه معه خامل، إلا أنه كان ظاهر الجمود، لا يتكلم كأنه جلمود «٢» ، ولم يكن فيه وحاشاه ما يعاب، ولا ما يدنّسه من قبح العاب «٣» ، إلا أنه كان يتهوّس بالمطالب والكنوز، ويتفّرس أنه لها بمساعيه يحوز، وكان يتبذّل لأجلها مع العوام، ويقتحم بسببها الموت الزؤام «٤» ، ولا يدع نفسه النفيسة، ويدعّ عنها أطماع هذه الخسيسة، وهيهات لقد ظفر من حديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بمطلب لا يفنى، وذهب خلاص لابل أين الذهب من ذلك الجوهر الأسنى، فوا أسفا لرتبته العليا، ووالهفا كيف ضيّع وقتا من أوقاته بطلب سحت «٥» الدنيا.. «٦»