المعشب، ثم حرّم على الرحال ظهورها، وإلى الارتحال ظهورها، وسكن بجانب دجلة لا يسقى إلا بمائها، ولا يظلّل إلا بسمائها، وحبّب إلى أهلها لوجود الملاءمة ووجوه المحاسن التي تخلّق بأخلاقها، وعداه اللائمة، أصله من قرطبة من ربض «١» الرصافة، وهو من أهل جزيرة ميورقة تجاه شرق الأندلس، روى عن أبي محمد ابن حزم واختص به، وأكثر من الأخذ عنه وشهر بصحبته، وعن أبي عمر بن عبد البر «٢» وغيرهما من الأئمة، ورحل إلى الشرق سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، فحج وسمع بإفريقية والأندلس وبمكة حرسها الله وشرّفها، وبمصر والشام والعراق، واستوطن بغداد، وكان موصوفا بالنباهة والمعرفة والإتقان والدين والورع، وكانت له نغمة حسنة في قراءة الحديث. وقال أبو نصر بن ماكولا «٣» لم أر مثله في عفّته ونزاهته وتشاغله بالعلم، وكان من اجتهاده ينسخ بالليل في الحرّ، وكان يجلس في إجانة «٤» ماء يتبرد به وكان إماما في الحديث وعلله ورواته، متحققا في علم التحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث، متبحرا في علم الأدب والترسل، وله كتاب الجمع بين الصحيحين، وهو مشهور، وأخذه الناس عنه، وله مصنفات أخر مفيدة، توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ببغداد، ودفن من الغد بالقرب من قبر الشيخ