ضرير، فسأله الوليد عن عينه، فقال: يا أمير المؤمنين بت ليلة في بطن واد، ولا أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد غير بعير وصبي مولود، وكان البعير صعبا فندّ، فوضعت الصبيّ واتّبعت البعير، فلم أجاوز إلا قليلا حتى سمعت صيحة ابني ورأسه في فم الذئب وهو يأكله، ولحقت البعير لأحبسه، فنفحني برجله على وجهي فحطمه وذهبت عيناي، وأصبحت لا مال لي ولا أهل ولا ولد ولا بصر. فقال الوليد: والله ما بك حاجة إلى المشي ولا أرب في السعي وقد تقدّمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض/ (ص ٢٥٣) إن شاء الله تعالى، وقد أبقى الله لنا منك ما كنّا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء من علمك ورأيك، نفعك الله وإيانا به، والله وليّ ثوابك والضمين لحسابك «١» .
ولما قتل عبد الله بن الزبير قدم أخوه عروة على عبد الملك بن مروان، فقال له يوما: أن تعطيني سيف أخي عبد الله، فقال: هو بين السيوف ولا أميّزه من بينها فقال عروة: إذا حضرت السيوف ميّزته أنا، فأمر عبد الملك بإحضارها فلما حضرت أخذ منها سيفا مفلّل «٢» الحد، فقال: هذا سيف أخي، فقال عبد الملك، كنت تعرفه قبل الآن، فقال: لا. فقال: كيف عرفته؟ فقال بقول النابغة الذبياني «٣» : [الطويل]
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
واحتفر عروة بئرا بالمدينة وهي منسوبة إليه ليس بالمدينة بئر أعذب من مائها.