الإسكندرية، وتارة إلى محبس القلعة بدمشق «١» ، وفي جميعها يودع أخبية السجون، ويلدغ بزباني المنون، وهو على علم يسطر صحفه، ويدخر تحفه، وما بينه وبين الشيء إلا أن يصنفه، ويقرظ به، ولو سمع امرئ واحد ويشنفه، حتى تستهدي أطراف البلاد طرفه، وتستطلع ثنايا الأقاليم شرفه، إلى أن خطفته آخر مرة من سجنه عقاب المنايا، وجذبتها إلى مهواتها قرارة الرزايا، وكان قبل موته قد منع الدواة والقلم، وطبع على قلبه منه طابع الألم، فكان مبدأ مرضه ومنشأ عرضه حتى نزل قفار المقابر، وترك فقار المنابر، وحل ساحة تربه وما يحاذر، وأخذ راحة قلبه من اللائم والعاذر، فمات لا بل حيي، وعرف قدره لأن مثله ما ربي، وكان يوم دفنه يوما مشهودا، ضاقت به البلد وظواهرها، وتذكّرت به أوائل الرزايا وأواخرها، ولم يكن أعظم منها منذ مئين سنين جنازة رفعت على الرقاب، ووطئت في زحامها الأعقاب، وسار مرفوعا على الرءوس متبوعا بالنفوس «٢» ،