إن استخلاص المفردات وتحقيقها من قلم ناسخ التوت حروفه، وتعثّرت نقطه بعد أن عفت الأيام رسومها، وحارت أنامله بعد أن زاغت عيناه في فكّ طلاسم نسخة اعتمدها لأمر بالغ الصعوبة، بل هو أصعب من خلع ضرس غير مرّة وإنما هو عند كل مفردة وفي صفحات عديدة؛ لأنّ الناسخ- كما هو ماثل في المخطوطة- كان ينقل كثيرا من المفردات رسما من نسخته المعتمدة، ولهذا جاءت كثرة من الأبيات الشعرية، فيما استشهد له ابن فضل الله غير موزونة أحيانا ومبتورة، أو مسطورة من غير تشطير؛ فضلا عن أنّ النتف والمقطوعات الشعرية الواردة في ثنايا المخطوطة لم ينسب الكثير منها إلى قائليها، ممّا جعلني أجهد في ردّها إلى أصحابها، ممّن عرفوا بالشهرة وذيوع الصيت. أما الآيات القرآنية الكريمة فجاءت مبثوثة في ثنايا السطور من دون إسنادها إلى سورها، الأمر الذي حدابي إلى وضعها بين قوسين صغيرين، مع بيان رقم السورة والآية، وبالنسبة إلى المفردات التي توجّب إضافتها في التحقيق عضدناها بين عضادتين، فضلا عن الاهتمام بالشكل والترقيم، مع ضبط القصائد وزنا وشكلا وإسنادها إلى بحورها.
اختص السفر السابع من «مسالك الأبصار» الذي وقفت على تحقيق نسخته بتراجم أهل النحو وأرباب المعاني والبيان من الجانب الشرقي (العراق) ، والجانب الغربي (الأندلس) ، ثم مصر، حيث بدأها ابن فضل الله ب (النّضر بن شميل)(- ٢٠٤ هـ) ، وختمها ب (ابن أبي الإصبع)(- ٦٢٤ هـ) ، وإن كان قد أفاض في ترجمة بعض أعلامها، وأوجز (مقلّا) عند بعضهم، كما هو الحال فيما ذكره عن السكّاكي (- ٦٢٦ هـ) ، حيث لم يتجاوز فيه خمسة الأسطر من دون أن يذكر له مؤلّفا، أو إبداعا واحدا.
لقد أفاض ابن فضل الله في ترجمة (أبو حيان الأندلسي)(- ٧٤٥ هـ) ، وأطنب كثيرا في تدوين قصائده التي كان أغلبها مناجاة ومساجلات بينهما؛ ناهيك عن الإطراء والمديح الذي أثنى فيه عليه؛ بوصفه شيخا من شيوخه الذين درس عليهم، وأتقن صنعة الكتابة بهم. كما أفاض كثيرا في ترجمة ابن المعتز (- ٢٤٧ هـ) سالكا درب المؤرخين فيه، ومعرّجا على ريادته لفنّ البديع، واصفا إياه- بحقّ- رائدا لهذا اللون من فنون البلاغة، مع عدم