قال أحمد بن عبيد «٢» : وشاورني ابن السكيت في منادمة المتوكل فنهيته فحمل قولي على الحسد. ونادمه، فبينا هو مع المتوكل إذ أقبل ابناه المعتز والمؤيد، فقال المتوكل: يا ابن السكيت، أيّما أحبّ إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ فغضب ابن السكيت من ابنيه، وذكر الحسن والحسين بما هما أهله، فأمر الأتراك فداسوا بطنه، فحمل إلى داره فمات. وقيل إنه قال: والله إنّ قنبر خادم عليّ (رضي الله عنه) خير منك ومن ابنيك. فقال: سلّوا لسانه من قفاه، ففعلوا ذلك، فمات، وذلك لخمس خلون من شهر رجب سنة أربع وأربعين ومئتين، وقيل سنة ست وأربعين. وبلغ عمره اثنتين وخمسين سنة.
وقال المبرد: ما رأيت للبغداديين كتابا أحسن من كتاب ابن السكيت في المنطق «٣» .
وقال: أجمع أصحابنا أنه لم يكن بعد ابن الأعرابي أعلم باللغة من ابن السكيت. قال ابن أبي شدّاد: شكوت إلى ابن السكيت ضائقة، فقال: هل قلت شيئا؟ قلت: لا. قال: فأقول أنا، ثم أنشدني:[البسيط]
نفسي تروم أمورا لست مدركها ... ما دمت آخذ ما يأتي به القدر
ليس ارتحالك في كسب الغنى سفرا ... لكن مقامك في ضرّ هو السفر
وقال: كتب رجل إلى صديق له قد عرضت لي قبلك حاجة، فإن نجحت فألفاني فيها حظي والباقي حظك. وإن تعذرت فالخير مظنون بك والعذر مقدم لك والسلام.
ولمّا جاءه المعتز ليؤدبه، فقال له: بأي شيء تبدأ؟ أتريد من العلم؟، فقال المعتز بالانصراف. قال له ابن السكّيت، فأقوم، فقال له المعتز: فأنا أخفّ نهوضا منك، فقام، فاستعجل، فعثر بسراويله فسقط، والتفت إلى ابن السكّيت خجلا، وقد احمرّ وجهه،