حسده من لم يحم معه على المناهل، وشغل بغيره، فقيل متى أنت عن دهليّة «١» الحي داهل، هذا مع ورع كلّه تقى لا يقيه، ومآثر سلفت لسلفه. وكانت لجدّه بقية نسب لو عرف به الليل لما وسم ينكره، أو آل إلى وائل لقدّمه بكره لم يجهل بالفضل اعتناقه ونهوضه، بما لو أنه لبكر سواه لشدّ خناقه.
قال ابن خلّكان: كان إمام عصره في النحو والأدب، أخذ الآداب عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد، وأخذ عنه المبرّد، وبه انتفع، وكان في غاية الورع. وبذل له بعض الذمّة «٢» مئة دينار على إقراء كتاب سيبويه له فامتنع. قال المبرّد: فقلت له جعلت فداك أتردّ هذه المنفعة مع فاقتك وشدّة إضاقتك. فقال: إنّ هذا يشتمل على ثلاثمئة كذا وكذا آية من كتاب الله عزّ وجلّ، ولست أرى أن أمكّن منها ذميّا غيرة على كتاب الله وحميّة له، قال: فاتفق أن غنّت جارية بحضرة الواثق تقول للعرجي: [الكامل المرفل]
فاختلف في إعراب، رجل، فمنهم من نصبه وجعله اسم، إنّ، ومنهم من رفعه على أنه خبرها، والجارية مصرّة على أن أبا عثمان لقّنها إياه بالنصب، فأمر الواثق بإشخاصه، قال أبو عثمان: فلما مثلت بين يديه، قال ممّن الرجل؟ قلت. من بني مازن، قال: أيّ الموازن، أمازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة؟ قلت: من مازن ربيعة، فكلمني بكلام قومي، وقال ما اسبك؛ لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما، فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلّا أواجهه بالكبر، قلت، بكر يا أمير المؤمنين، ففطن لما قصدته، وتعجّب، وقال: ما تقول في قول الشاعر:
أظلوم إن مصابكم رجلا
أترفع رجلا أم تنصبه؟ فقلت: بل الوجه النصب يا أمير المؤمنين، فقال ولم ذلك: فقلت؟