للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساعة من أيامه إلّا في محاضرة، ولا لفظة من كلامه إلّا في مناظرة، إلى أن كان سهمه من الحظ موفرا، وقيل كلّ الصيد في جوف الفرا، فأخذ في كل فنّ، وشذّ وجود مثله في ظنّ، حتى كان إليه المرجع في كل مرام، والمبرّد الذي لا يخبو له ضرام. قلت. جرى مرة ذكر علم النحو وأهل العلم به، وانتصر رجل حضرنا لليزيدي وفضّله على المبرّد، وسئلت في ذلك فقلت: [الطويل]

لئن أصبحت أهل العلوم مواردا ... ويصدر عنها بالرواء ويورد

فورد اليزيديّ الذي ليس مثله ... لديّ عطاش والشّراب المبرّد

قال ابن خلكان: نزل بغداد، وكان إماما في النحو واللغة، وله التواليف النافعة في الأدب، منها الكامل والروضة والمقتضب، أخذ عن المازني والسجستاني وأخذ عنه نفطويه وغيره، وكان المبرد وثعلب صاحب الفصيح عالمين متعاصرين قد ختم بهما تاريخ الأكفاء، وكان المبرد يحب الاجتماع بثعلب للمناظرة والاستكثار منه، وكان ثعلب يكره ذلك، ويمتنع منه، وكان المبرّد كثير النوادر. حكي أن المنصور ولى رجلا على الإجراء على العميان والأيتام والقواعد من النساء، فدخل عليه بعض المتخلفين ومعه ولده، فقال له: إن رأيت أصلحك الله أن تثبت اسمي مع القواعد، فقال له القواعد نساء، فكيف أثبتك فيهنّ، قال:

ففي العميان، قال: أما هذا فنعم؛ لأن الله تعالى يقول لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، فقال: وتثبّت ولدي في الأيتام، فقال هذا أفعله أيضا، فإنه من تكن أنت أباه فهو يتيم وقد عناه ابن المعذل فقال: [الوافر]

سألنا عن ثمالة كلّ حيّ ... فقال القائلون ومن ثماله

فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله

فقال لي المبرّد خلّ عنّا ... فقومي معشر فيهم نذاله

وقال ابن خلكان: ويقال إنّ المبرّد قال هذه الأبيات لتحفظ [و] ليشتهر نسبه في ثمالة.

ولد المبرّد يوم عيد الأضحى سنة عشر، وقيل سنة سبع وثلاثين وتوفي في ذي الحجة سنة ست وثمانين، وقيل في ذي القعدة سنة خمس وثمانين ومئتين ببغداد. وفي ثعلب قال أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>