تفويفه «١» ، والدرّ الثمين في ترصيفه، والشهب الرقى هنّ في تصنيفه، والقمر والهلال وهما لا يبلغان مدى مدّه، ولا تصنيفه بكلام تنكل السيوف عن حدّ مقوله، وتكل الأفهام في نسيج تأوّله، وتنكر لوامع البرق أن تقاس بتطوله، وتذكر الأيام لا بل نجوم الظلام. ولا تجاري نسبة الثعالبي ثعلب فخره ولا سرحان. أو له معجز يتحدى به على البلغاء ولا يغلب، وموجز يعطي من طرف اللسان حلاوة، ويروغ كما يروغ الثعلب وفيها يقول ابن قلاقس:[الرجز]
أبيات أشعار اليتيمه ... أبكار أفكار قديمه
ماتوا وعاشت بعدهم ... فلذاك سمّيت اليتيمه «٢»
وقد مرّ في تراجم من تقدّم من الشعراء من كلامه ما حلي ذوقا، وتدفق نهرا شق عن مائه الفضي طوقا مما خفّ موقعه، وشفّ حتى كاد يراه من يسمعه وطفا، فالتقط الدرّ من يجمعه. ولم يبق إلا من كتبه ولوعا يحسنه، وتهافتا وهو غزير، وابتذل وهو في موضع من الضنانة حرير. فسار وما كان أحد لا عتلاقه به أخلى منه سمعه، وصار أرخص القيمة. كأنه الياسمين ما يساوي جمعه. ومن شعره المروي، بل نثره الذي لو ظفرت به ذات غيد لما ضاعت من سواه حلية سوارها الملوي.
وقوله:[الرجز]
إنسانة تيّاهة «٣» ... بدر السّما منها خجل
إذا رنا طرفي بها ... بدمع عيني يغتسل
وقوله، وكتب به إلى الأمير أبي الفضل المكيالي:[الكامل]
لك في المفاخر معجزات جمّة ... أبدا لغيرك في الورى لم تجمع