منها والشواذ. وكان يقرأ عليه القرآن في كل يوم تلقينا وتحريرا جماعة تزيد على الخمسين، ونصّب نفسه للانتفاع عليه بالقرآن العزيز، وجميع ضروب الأدب. فكان لا يتفرّغ إلا للصلاة المكتوبة أو لما لا بدّ منه. ويخرج عليه جماعة من أصحابه شهّروابه سوى من تردّد إليه، فلم يظفر بمطلبه.
أخذ النحو عن أبي البركات الأنباري، وأبي محمد ابن الدهّان، واتصل أبو الحرم بالملك الظاهر غازي، وأقام بحلب مدّة، وهمت عليه سحب إكرامه واتصلت به ضروب إنعامه.
وكان حيث خرج من الموصل لم يمكّنه سلطانها من السفر، حتى ضمن على نفسه بالعود إليها، وكفله أبو السعادات ابن الجزري. وكان قد جعل سبب سفره زيارة بيت المقدس، فأقام بحلب. فلمّا بلغ تأخره صاحب الموصل، قال: ما يضرّ الموصل ألا يكون فيها أبو الحرم، فأحسن المحدّث له الاعتذار عنه، ثم وصل إلى الموصل عائدا من حلب في رمضان سنة ثلاث وستمئة، وأقام بها مريضا مدّة يسيرة، ثم توفي بها ليلة السبت سادس شوال منها، وخلّف ولدا صغيرا.
قال أبو المعالي ظافر بن الوهاب الموصلي: كان رحمه الله ربّما فرض في بعض الأوقات الأبيات من الشعر. ولم يكن شعره على قدر فضله؛ إذ هو فلك النكت والعيون، وأنا أورد من مختاره وجيّده، فمن ذلك قوله:[الوافر]
سئمت من الحياة فلم أردها ... تسالمني وتشجيني بريقي
عدوّي لا يقصّر في أذاتي ... وتفعل مثل ذلك في صديقي
وقد أضحت لي الحدباء دارا ... وأهل مودتي بلوى العقيق
قال: ومن جيّد قوله: [الطويل]
على الباب عبد يسأل الإذن طالبا ... به أدب لا أنّ نعماك تحجب
فإن كان إذن فهو كالخير داخل ... عليك وإلا فهو كالشرّ يذهب
وكان أبدا يتعصب لأبي العلاء المعرّي، ويطرب إذا قرئ عليه شعره للجامع بينهما من