للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكن اليوم كرسي ملك، فإنها كرسي ملك الوجود، وقد تقدم القول أن المنصور أبا جعفر [١] «١» بناها، وهي جنبان على ضفتي دجلة، شرقي وغربي كل منهما مدينة كبيرة عظيمة غنية بنفسها عن الأخرى، إحداهما بناء المنصور، والأخرى بناها «٢» المهدي [٢] موضع معسكره، وبينهما جسران منصوبان، أحدهما يعرف بالعتيق والثاني بالجديد [٣] ، وهما منصوبان على دجلة شرقا بغرب على سفن وزواريق أوقفت في الماء، ومدت بينها السلاسل الحديد المكعبة بالكعاب الثقال، وفوقها الخشب الممدد وعليهما التراب مغدف بالقير [٤] يمر عليها أهل كل جانب إلى الآخر بالجمال والخيل والحمول، وعلى ضفتي دجلة قصور الخلافة والمدارس والأبنية العلية، بالشبابيك والطاقات [٥] المطلة على دجلة.

وبناؤها بالآجر وهو المسمى بمصر الطوب، ومن بيوتها ما هو مفروش بالطوب وما هو مفروش بالقير، ولهم الصنائع العجيبة في التزويق بالطوب، وبها تتلاقى دجلة والفرات، وبها البساتين المونقة، والحدائق المحدقة.

وأما النخيل فلثمراتها فضل على ما سواها من أنواع منوعة من التمر والرطب


[١] أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي الثالث، أنشأ بغداد ما بين سنة ١٤٥- ١٤٦ هـ وسماها مدينة السلام (انظر: بناء مدينة بغداد في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ١/٦٦- ٧٩) .
[٢] المهدي: محمد بن المنصور ثالث خلفاء الدولة العباسية ١٥٨- ١٦٩ هـ/ ٧٧٥- ٧٨٥ م، اشتهر بحروبه مع البيزنطيين أنشأ الطرق العامة وحسن جهاز البريد (انظر تاريخ بغداد أو مدينة السلام لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى ٤٦٣ هـ دار الفكر بيروت) .
[٣] انظر: ابن بطوطة ١٤٩.
[٤] مغدف بالقير: مغطى بالقير، من غدف وأغدف وأغدف الليل أرخى ستوره، والغدافى ما كان لونه أسود (المعجم الوسيط ٢/٦٦٩) .
[٥] طاق: فتحة جمعه طاقات وتعني النوافذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>