الذي لا يسكن الرغام «١» . هذا وغصنه في ورق شبابه، وطيبه يعبق في جلبابه. وازداد حين نوّر أقاحه، ودرّ درّه ولفاحه. واشتعل رأسه بالمشيب وراع العيون لباسه القشيب. وساوى النجوم ولم يبلغ حدّ الارتقاء. ومات وهو يذكر، أبو البقا.
قال ابن خلكان: قرأ على أبي السخاء الحلبي والنيروزي، وسمع الحديث على أبي الفضل الخطيب الطوسي، وابن سويدة التكريتي والثقفي والطرسوسي، وخالد ابن القلسواني وأبي اليمن الكندي وغيرهم. وحدّث بحلب. وكان ماهرا في النحو والتصريف.
رحل إلى بغداد؛ ليدرك أيام [أبي] البركات ابن الأنباري بالعراق، فأتاه في الموصل خبر وفاته. فأقام بالموصل مديدة، ثم عاد إلى حلب وتصدّر للإقراء. وكان حسن التفهيم لطيف الكلام طويل الروح على المبتدئ والمنتهي، خفيف الروح ظريف الشمائل، كثير المجون مع سكينة ووقار.
حكى ابن خلكان، قال: حضرت يوما حلقته وبعض الفقهاء يقرأ عليه اللّمع لابن جني، فقرأ بيت ذي الرمّة في باب النداء:[الطويل]
أيا ظبية الوعساء «٢» بين جلاخل ... وبين النقا آأنت أم أمّ سالم «٣»
فشرع الشيخ يبينه، ويقول: إن هذا الشاعر لعظم وجده بهذه المحبوبة وكثرة مشابهتها للغزال شبها غلبه الحال، هل هي امرأة أم ظبية؟
وبقي يعيد هذا القول ويكرّره؛ ليفهمه الفقيه، وهو منصب، فقبل على كلام الشيخ بكليته؛ حتى توهّم الحاضرون أنه قد فهم. فلما فرغ الشيخ قال له ذلك الفقيه: يا مولانا، أيش في المرأة الحسناء يشبه الظبية؟ فقال الشيخ: قرونها وذنبها. فضحك الحاضرون وخجل الفقيه، ثم ما عدت رأيته حضر مجلسه.