أخذ الفقه عن الشيخ تاج الدين، والنحو عن أخيه شرف الدين وغيره، وبرع فيهما، واقتصر من بقية العلوم عليهما. وعرف بالنحو حتى صار دليلا يرشد إليه، وعلما دالا عليه.
كان يجلس بمسجد الجامع الأموي للاشتغال ويقرئ الفقه والنحو. وكانت الرغبة في أخذ النحو عنه أكثر، وكان به أشهر وكان على سعة فضله وكثرة فقهه لا يفتي؛ تورعا. وإذا أتاه مستفت يقول له: رح إلى فلان. وأكثر ما يدل على ولد شيخه، الشيخ برهان الدين. وكان معظما في الصدور. أراده قاضي القضاة ابن صيصري على أن ينوب عنه فامتنع، ثم طلبه شيخنا قاضي القضاة القزويني الخطيب لذلك فأبى. وكان عنده وسواس، لا يمسّ كتابا بيده ولا ورقة ولا غير ذلك. فإذا أراد إمساك شيء أمسكه بمنديل، أو بطرف ثوبه، ثم يغسله بعد ذلك في الغالب. وكان رجلا ليّن الجانب حسن الخلق.
تحدث عن مشيخة الفزاريين، بما كان يجري بينهما من المحاورات الظريفة والمراجعات اللطيفة إلى غير ذلك ممّا هو مشهور عمّا كان يكون بينهما.
وأول ما قرأت النحو عليه في عنفوان العمر وأوان البداه. وكان يجيد التفهيم، ويقرّب طرق التعليم؛ ولهذا كانت الرغبة إليه مصروفة، والطلبة عليه موقوفة.
حكى لي من غريب الاتفاق: أنه لما كانت نوبة مرج الصفر، وبقي الناس بين قائل: إنّ السلطان خرج للقاء العدوّ، وقائل إنه ما خرج، قال: فبينما الناس في ذلك، وأنا في مكاني بالجامع، وإلى جانبي النبيه أخذ رفقتنا في الاشتغال؛ إذ أتاني رجل يريد القراءة عليّ، فشرعت اعتذر إليه بشغل الخاطر بما الناس فيه، ويأبى إلا أن يقرأ، فلمّا رأى النبيه الحاجة عزم على أن أقرئه، فقلت له: في أي شيء تريد أن تقرأ؟ قال: في كتاب الجمل للجرجاني وأخرج نسخته، فأخذها النبيه، وقال: نأخذ منها فألا للناس، فقلت له: وأي شيء يكون في هذا الكتاب؟ فقالك لا بدّ من أخذ فأل منه، ثم فتح الكتاب فإذا في أول الصفحة ما صورته، جاء زيد، وطاب الخبر، وذهب القوم. فاستبشرنا وقلنا: الله أكبر، جاء السلطان، وطاب خبر الناس، وذهب العدو وكان كذلك.