مقتله بسيف السلطان لا بالعشق وتسويل الشيطان. كان فقيرا متصوفا بالخانقاه السميساطية. وكان يجلس للإقراء بالكلاشة، ويقرأ عليهم النحو واللغة. وكان أكثر إقرائه في مقدّمة ابن الحاجب، وكان يحبّها. ويثني عليها ويقول: هي نحو ظريف، واستفاد به جماعة. وكان دمث الاخلاق حسن العشرة عشاقا طامح النظرات. وأحبّ في آخر عمره صبيا من أبناء الجند يعرف بابن الدمرداش. وكان له أخ أحسن منه، وكان يخرج إلى سوق الخيل فيقف به ليراه إذا مرّ به في المركب، فقال له شيخنا ابن الزملكاني: يا شيخ ضياء الدين، لأيّ الآتيين أنت عاشق؟ فقال: لغلام، سمّاه.
فقال له ابن الزملكاني: يا شيخ ضياء الدين، فلأي شيء ما عشقت هذا، فاعشق أنت ذاك. فقال له: إذا أذنت لي عشقته. فقال له: أنت ما تحتاج إلى إذن. قال: ولم قال لآذانك طوال؟
وكان يأخذ في يده حزمة من الرياحين، ويطوف بها أكناف المدينة، فإذا رأى مليحا أدنى إليه تلك الرياحين فشمّمه إيّاها، فإذا عتب به أحد من الرجال، وذو اللّحى، وقال له شمّمني قلب الحزمة وضربه بالعروق على أنفه. وقال له رجل يوما بحضوري: أنت لا تزال في عشقة بعد عشقة، فابتدرت منشدا قول القائل:[البسيط]
الحب أولى بي في تصرّفه ... من أن يغادرني يوما بلا شجن
فصاح صيحة عظيمة، ثم قال: أحسنت. اطّلعت على قلبي، وقلت بلساني، ثمّ خرّ مغشيّا عليه.
وأتى يوما ديوان الإنشاء، ونحن به، وشيخنا شهاب الدين أبو الثناء محمود جالس، ونحن عنده، فلمّا رأى ما به من البلاء، وخروجه حيّز العقلاء أنشده:[الطويل]
يقولون لو دبّرت بالعقل حبّها ... ولا خير في حبّ يدبّر بالعقل
فصاح صيحة شديدة، وقال: يا مولانا حبّه جنّة، ولم يزل يقولها إلى أن غاب عن صوابه، وسقط إلى الأرض مغشيا عليه، وبقي عامة نهاره ملقى على تلك الحال، ثم زاد به