إليه اليعملات «١» ، وأضحت فوائده مؤمّلات. واهتدى به هدي الركائب بالعلم، واستهلّ استهلال السحائب، يرش رشاش ماء الورد.
قال ابن خلّكان: كان أوحد عصره في علم النحو وحفظ اللغة، وكان أخبر أهل زمانه بالإعراب والمعاني والنوادر، وعلم السّير والأخبار ولم يكن بالأندلس في فنّه مثله في زمانه.
أخذ عن القالي لمّا دخل الأندلس. وله كتب تدلّ على وفور علمه، واختاره المستنصر لتأديب ولده، وليّ عهده هشام المؤيد، فعلّمه الحساب والعربية، ونفعه نفعا كثيرا. ونال به الزبيدي دنيا عريضة. وولي قضاء إشبيلية والشرطة. وحصل نعمة ضخمة لبسها بنوه بعده زمانا. وكان يستعظم أدب المؤيد زمان صباه، ويصرف رجاحته وحجاه. وللزبيدي شعر كثير منه قوله:[الطويل]
أبا مسلم إنّ الفتى بجنانه ... ومقوله لا بالمراكب واللّبس
وليس ثياب المرء تغني قلامة «٢» ... اذا كان مقصورا على قصر النّفس
وكان في صحبة المستنصر. وقد ترك جاريته بإشبيلية، فاشتاق إليها، فاستأذنه في العود إليها فلم يأذن له. فكتب إليها:[مخلع البسيط]
ويحك يا سلم لا تراعي ... لا بدّ للبيّن من زماع «٣»
لا تحسبيني صبرت إلا ... كصبر ميت على النزاع
ما خلق الله من عذاب ... أشدّ من فرقة الوداع
ما بينها والحمام فرق ... لولا المناجات والنواعي
وعاش ثلاثا وستين سنة «٤» ، وتوفي يوم الخميس، مستهلّ جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وثلاثمئة بإشبيلية.