فدخلت الدار، وطلبت شيئا أقدّمه إليه، فكان في البيت شيء من طعام حمل إليّ من عرس قوم، فقدّمته إليه، فأخذ لقمة وأدارها في فمه مرّات، ثم إنه قام وألقاها في الدهليز، ومرّ!. فلمّا رأيته بعد ذلك بأيّام، قلت له في ذلك؟. فقال: إني كنت جائعا، وأردت أن أسرّك بأكلي، وأحفظ قلبك، ولكن بيني وبين الله سبحانه وتعالى علامة: أن لا يسوّغني طعاما فيه شبهة، فلم يمكنّي من ابتلاعه، فمن أين كان لك ذلك الطعام؟. فقلت: إنه حمل إليّ من دار قريب لي من العرس. ثم قلت: تدخل اليوم؟. فقال: نعم. فقدّمت إليه كسرا يابسة كانت لنا، فأكل وقال: إذا قدّمت إلى فقير شيئا، فقدّم إليه مثل هذا. «١»
وسئل الحارث عن العقل ما هو؟.
فقال:" نور الغريزة مع التجارب، يزيد ويقوى بالعلم والحلم".
وكان يقول:" فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن القول مع الأمانة، وحسن الإخاء مع الوفاء". «٢»
وقال السمعاني: كان أحمد بن حنبل يكرهه لنظره في علم الكلام، وتصنيفه فيه؛ وهجره، فاستخفى من العامة، فلما مات لم يصلّ عليه إلا أربعة نفر «٣» .
قال: وعرف بالمحاسبي لأنه كان يحاسب نفسه. «٤»
قال ابن خلّكان: وهو أحد رجال الحقيقة، وهو ممن اجتمع له علم الظاهر والباطن، وله