فلما رآني، قال لي: يا شيخ!، أنت بعد على ذلك الضعف من اليقين؟.
وقال: كنت ببغداد في جامع المدينة، وهناك جماعة من الفقراء، فأقبل شاب ظريف، حسن الوجه طيب الرائحة، فقلت لأصحابنا: يقع لي أنه يهودي!، وكلّهم كرهوا ذلك، فخرجت، وخرج الشاب، ثم رجع إليهم، وقال: أيش قال الشيخ فيّ؟. فاحتشموه، فألحّ عليهم، فقالوا: قال: إنك يهودي!.
قال: فجاءني وأكبّ علي يدي يقبّلها، وأسلم!.
فقيل له: ما السبب؟. قال: نجد في كتابنا أن الصّدّيق لا تخطيء فراسته، فقلت: أمتحن المسلمين، فتأمّلتهم. فقلت: إن كان فيهم صدّيق؛ ففي هذه الطائفة، فلبّست عليكم؛ فلما اطّلع هذا الشيخ عليّ، وتفرّس فيّ، علمت أنه صدّيق، وصار ذلك الشاب من كبار الصوفية.
وقال الخوّاص: تهت في البادية أياما، فجاءني شخص، وسلّم عليّ، وقال لي: تهت؟.
فقلت: نعم. فقال: ألا أدلّك على الطريق؟. ومشى بين يدي خطوات، ثم غاب عن عيني، وإذا أنا على الجادة، فبعد ذلك ما تهت، ولا أصابني في سفري جوع ولا عطش. «١»
وقال بعض الصالحين: كنت في جماعة بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، نتجارى الآيات، ورجل ضرير بقرب منا يسمع، فتقدّم إلينا، وقال: قد أنست بكلامكم، اعلموا أنه كان لي صبية وعيال، وكنت أخرج إلى البقيع أحتطب، فخرجت يوما، فرأيت شابا عليه قميص كتان، ونعله في إصبعه، فتوهّمت أنه تائه، فقصدته لأسلب ثوبه، فقلت: انزع ما عليك. فقال: مرّ في حفظ الله. فقلت له ثانيا، وثالثا. فقال: لا بد. فقلت: لا بد. فأشار بإصبعه من بعيد إلى عينيّ، فسقطتا!. فقلت: بالله عليك من أنت؟. فقال: إبراهيم الخوّاص. «٢»