فسكت، ثم ذهب، ورجع عن قريب، ثم قال: كان عندي أربعة دوانيق، فاستحييت من الله تعالى أن أتكلم في الفقر، فأخرجتها ... !. ثم قعد وتكلم في الفقر «١» .
وقيل له: ما معنى الصوفي؟.
فقال:" ليس نعرفه في شرط العلم، ولكن نعرف فقيرا مجردا من الأسباب، كان مع الله تعالى بلا مكان، ولا يمنعه العلم من علم كل مكان، يسمى صوفيا"«٢»
وقال: اشتهت والدتي على والدي يوما سمكة، فمضى والدي إلى السوق وأنا معه، فاشترى سمكة ووقف ينظر من يحملها؟. فرأى صبيا واقفا حذاءه، فقال: يا عم! ... تريد من يحملها؟. قال: نعم. فحملها ومشى معنا، فسمعنا الأذان. فقال الصبي: أذّن المؤذن، وأحتاج أن أتوضأ وأصلي. فإن رضيت وإلا فاحمل السمكة!؛ ووضعها الصبي ومضى.
فقال أبي: نحن أولى من أن نتوكل بالسمكة. فدخلنا المسجد وصلينا جميعا، وخرجنا من المسجد. وإذا السمكة موضوعة على حالها، فحملها، ومضى معنا إلى دارنا. فذكر والدي ذاك لوالدتي، فقالت: يقيم عندنا حتى يأكل معنا. فقلنا له. فقال: إني صائم. قلنا: فتعود إلينا بالعشي؟. فقال: إذا حملت في اليوم مرة، فلا أحمل ثانيا. فأدخل المسجد إلى المساء، ثم أدخل عليكم بالعشي. فلما أمسينا دخل الصبي علينا فأكلنا، فلما فرغنا، دللناه على موضع الطهارة، ورأيناه يؤثر الخلوة، فتركناه في بيت.
وكان لقريب لنا ابنة زمنة، فلما كان في بعض الليل، وإذا بها قد جاءت تمشي!.
فسألناها عن حالها؟. فقالت: قلت:" يا رب! بحرمة ضيفنا إلا ما عافيتني ... فقمت! ".
قال: فمضينا نطلب الصبي؛ فإذا الأبواب مغلقة كما كانت، ولم نجده. فقال أبي: منهم كبير وصغير. «٣»
وقال: دخلت المدينة، وبي فاقة، فتقدّمت إلى القبر، وقلت:" ضيفك يا رسول الله!،