ألف مرة، ويزور المقابر بعد العصر في كل جمعة، ويصعد يوم الاثنين والخميس إلى مغارة الدم ماشيا بالقبقاب، فيصلي فيها ما بين الظهر والعصر، وإذا نزل جمع" الشّيح" من الجبل وربطه بحبل وحمله إلى بيوت الأرامل، واليتامى، ويحمل في الليل إليهم الدراهم، والدقيق، ولا يعرفونه، ولا ينام إلا على طهارة، ومتى فتح له بشيء من الدنيا آثر به أقاربه، وغيرهم، ويتصدّق بثيابه، وربما خرج الشتاء وعلى جسده جبّة بغير ثوب [من تحتها يتصدق بالتحتاني] ، ويبقى مدة طويلة بغير سراويل، وعمامته قطعة من بطانة، فإن احتاج أحد إلى خرقة، أو مات صغير يحتاج إلى كفن قطع له منها قطعة، وكان ينام على الحصير، ويأكل خبز الشعير، وثوبه خام إلى أنصاف ساقيه، وما نهر أحدا ولا أوجع قلب أحد، وكان يقول:" أنا زاهد ولكن في الحرام! ".
ولما نزل صلاح الدين على القدس كان هو وأخوه الموفق في خيمة، فجاء العادل إلى زيارته، وهو في الصلاة فما قطعها، ولا التفت، ولا ترك ورده، وكان يصعد المنبر وعليه ثوب خام مهدول الجيب، وفي يده عصا، فما قطعها، ولا التفت، والمنبر يومئذ ثلاث مراقي، وكان يحضر الغزوات مع صلاح الدين.
قال أبو المظفر «١» : وكراماته كثيرة؛
فمنها: أني صليت يوم جمعة بجامع الجبل في سنة ست وستمائة، والشيخ عبد الله اليونيني «٢» إلى جانبي، فلما كان في آخر الخطبة والشيخ أبو عمر يخطب، نهض الشيخ عبد الله مسرعا، وصعد إلى مغارة توبة، وكان نازلا بها، فظننت أنه احتاج إلى وضوء أو آلمه شيء، فصلّيت وطلعت وراءه، وقلت له: خير ما الذي أصابك؟، فقال: هذا أبو عمر ما تحل خلفه صلاة!، يقول على المنبر:" الملك العادل" وهو ظالم! فما يصدق!!!.
وكان أبو عمر يقول:" اللهم وأصلح عبدك الملك العادل سيف الدين أبا بكر ابن أيوب".