له لياليه وفاء السحب الثجّاجة، فمسّ السماء ومسحها، ومدّ النعماء وفسحها، والحق يسعده، ويقربه ولا يبعده، دامت به كل عين قريرة، ونسبته على المحاسن قديرة، وهو للمتبصر سيف لم يثلم، وللمقتصر شرف ما كلّ من رقا إليه بسلّم يسلم، فكان فضله شيء جزم به وقطع، وعلم أن غيره لو حاوله لم يستطع، تهلل به وجه الدهر وكان قد كلح، وصلح به فساده وقطّ ما صلح.
قال عبد الله بن شكر اليونيني: كان الشيخ- رحمه الله تعالى- في شيبوبيّته قد انقطع في الجبل، وكانت أخته تأتيه كل يوم بقرص وبيضتين، فأتته بذلك مرة، وإذا بفقير قد خرج من عنده ومعه قرص وبيضتان، فقالت له: من أين لك هذا؟. قال: من ذاك القاعد، له شهر كل يوم يعطيني قرصا وبيضتين!. فأتته وسألته، فنهرها، وزعق فيها. «١»
وقال خليل بن عبد الغني «٢» الزاهد الأنصاري: كنت بحلقة الحنابلة إلى جانب الشيخ عبد الله، فقام ومعه خادمه توبة إلى الكلاسة، ليتوضّأ، وإذا برجل متختّل يفرّق ذهبا، فلما وصل إليّ أعطاني خمسة دنانير، وقال: أين سيدي الشيخ؟. قلت: يتوضأ. فجعل تحت سجادته ذهبا، وقال: إذا جاء قل له: مملوكك أبو بكر التكريتي يسلّم عليك، ويشتهي أن تدعو له.
فجاء الشيخ وأنا ألعب بالذهب في عبّي، ثم ذكرت له قول الرجل، فقال توبة: من ذا يا سيدي؟. قال: صاحب دمشق؛ وإذا به قد رجع، ووقف قدام الشيخ، والشيخ يصلي، فلما سلّم أخذ السواك ودفع به الذهب، وقال: يا أبا بكر! كيف أدعو لك والخمور دائرة في دمشق؟.
وتغزل امرأة وقيّة تبيعها فيؤخذ منها قراطيس؟. فلما راح أبطل ذلك، وكان الملك العادل.
وقال محمد بن أبي الفضل: كنت عند الشيخ، وقد جاء إليه المعظّم، فلما جلس عنده، قال: يا سيدي! ادع لي. قال: يا عيسى لا تكن نحس «٣» مثل أبيك!. فقال: يا سيدي وأبي