ويحكى عنه في هذا حكايات غرائب ونوادر: حكى لي شيخنا شهاب الدين أبو الثناء محمود الحلبي الكاتب رحمه الله، قال: اجتمع طائفة من الأمراء يوما، فتحدّثوا في طريقة الشيخ محمد، فقالوا: نريد نغلبه، ونتحيل حتى يأكل شيئا بغير أجرة!. فقال واحد منهم:
أنا أفعل هذا، فبعث، فاشترى رأسين سمان من الغنم، ثم عمد إلى خرجين لطيفين، فملأ عين كل واحد منهما أرزا والآخر سكرا، ثم شدّهما عليهما، وبعث بهما رجلا استغفل الشيخ محمد، حتى أتى من الجامع، وفتح باب بيته، ودخل، فلما علم أنه قد صار داخل الدار، ساق الرأسين إلى داخل الدار، ثم ردّ الباب عليهما وسكّره، فلما شعر الشيخ محمد بدخولهما، خرج فرآهما!، فقال: نعم، يريدون أن آكل هذا بلا أجرة!، لا كيد، ولا كرامة، والرجل الذي أحضرهما خارج الباب يسمع، فانطلق إلى أصحابه، وأخبرهم. ثم إن الشيخ محمدا لم يزل بالباب حتى فتحه، وأخرج الغنم إلى الزقاق بما عليهما وطردهما، وجعل يقول: يا غنم! إن كان لهم حاجة يبعثوا معك الأجرة حتى آكل، وإلا ما آكل. فلما أبعدت الغنم رجع الشيخ محمد إلى داره، وتمت الغنم جارية تشق الأسواق، والطرقات، حتى أتت دار القيامرة، فدخلت إلى الموضع الذي بعثت منه، بما عليها، لم يتعرّض لها أحد!. فلما رأوا ذلك أكبروه، ثم ركب بعض أولئك الجماعة لزيارة الشيخ على عادتهم، فلما دخل عليه قال: إنكم شطّار ملاح، أردتم أن آكل لكم بالسخرة، وما كفاكم هذا حتى أردتم أن أطبخ لكم بالسخرة، وأن أذبح لكم، وأسلخ بالسخرة، وأنا هذا ما أفعله، ولا آخذ إلا طعاما مطبوخا، لا يكون عليّ في آكله كثير تعب، وبعد هذا ما آكله إلا بالأجرة، قم عني، قم!.
فقام، وأتى أصحابه، وأعلمهم، فعملوا له أطعمة فاخرة، ثم بعثوا معها مائة دينار، حتى أكل من الطعام، وفرّق الذهب بأجمعه في سبيل الخير.
قال شيخنا شهاب الدين: وكان هذا دأب الشيخ محمد، ومهما جاءه، فرّقه على المستحقين، لا يدّخر شيئا منه، وكان عنده لكل طعام أجره، وكل ما كان الطعام أفخر، كانت أجرته على أكله أكثر، حتى سمّي بالأكّال لذلك، وكان من أقلّ الناس أكلا. هذا ما حكاه لي.