لا يركب بغلا، ولا حمارا، ولا فرسا «١» . وإذا عطش وهو قاعد في المجلس مع أصحابه قام فشرب بنفسه، يريد بذلك تربية المريدين.
وكان في الزاوية رجل كبير مسن، وكان به قطار البول «٢» ، فأخذ تحته شيئا يقطر فيه البول، فكان يقوم، ويريقه بنفسه، ويغسل ما أصاب الحصير منه. «٣»
وكان لا يمكّن أحدا من تقبيل يده، ويقول: إذا مكّن الشيخ أحدا من تقبيل يده، نقص من حاله شيء. «٤»
وكان شديد الحياء، لا يقطع على أحد كلامه، ولا يخجل أحدا بما يقول.
وكان كثير التورّع، يتحرّى في مطعمه، وملبسه، ويقول: الدين الورع، وهو أصل العبادة.
وكان يتورّع عن أموال السلاطين، والجند، وكان عن مال العرب أشدّ تورّعا، لا يأكل لهم طعاما، ولا يقبل لهم هدية. وكان للعرب عادة يمرون كل سنة بأرضنا مرتين، فإذا مرّوا لا يأكل مما يباع في السوق، لا لحما، ولا لبنا، ولا غيرهما، بل يتأدّم بالزيت، وما كان من الأدم في البيت «٥» .
وكان في بدء أمره لا يأكل إلا من المباح، يجمع الأشنان «٦» بيده، وتارة يحصد، فلمّا كبر وأسنّ، كان يأمر من حوله من الفقراء والأصحاب فيخرجون إلى الصحراء فيزرعون زرعا ويحصدونه، فإذا حصل، قال لهم: لا ترفعوه، حتى تدفعوا إلى السلطان نصيبه منه، وكانوا يفعلون ذلك. حتى يدفعوا من التبن ما يخصه. «٧»
وكان السلطان نور الدين يتردّد إلى زيارة جده، فوقف على الشيخ غابة من أرض