هذا إلى توسع في بقية العلوم، وتطلّع إلى سائر المعارف على العموم، والتحاقه وما خلع الشباب بمشايخ الطريقة، وقيامه فيها بأكثر من قدرة الهمم المطيقة، فأمسى في نكرات زمانه المفرد العلم، ومن يشابه أباه فما ظلم.
وكان يجمعنا وإياه طلب العلم زمن الشباب، وأيام الصبا قبل أن يتقلص الجلباب.
وكان عالما لم يضيّع أيامه، وعارفا قدّم أمامه، لم يزل عمره في جد كله، وجهد في أن لا يأكل شيئا إلا من حلّه، والدنيا عنه معرضة، وأصل الأيام له ممرضة، وهو عنها أيّ مزور «١» ، وكنفه منها مغبر ثم مغبر، فلما أسمع صيته من له أذنان، وأجنى ذكره مثل اجتنا الأفنان.
ولي التدريس، وتصدّر، ودونه كل رئيس.
قال: لقد نعيت إلي نفسي لأننا قوم لا نعهد هذا من الدنيا، وحكم بدنو الأجل على نفسه، وانطلق ولم يمتد شوط المهل حتى وسّد في رمسه.
قرأ القرآن الكريم، وأتقن حفظه، وتفقه بشيخ الإسلام شيخنا برهان الدين ابن الفركاح، وأخذ النحو عن شيخنا كمال الدين ابن قاضي شهبة، وكان كثيرا ما تجمعنا أوقات الاشتغال عنده، ثم لم ألقه إلا بعد أن قدمت دمشق من مصر سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، فرأيت منه أنموذج السلف، وطريقة الألى، ورجل دنيا وأخرى.
كان عقله عقل الوزراء، وزيه زي الفقراء، ويتيه على الدنيا تيه الأمراء.
وكان في زاوية أبيه، غربي الصالحية، في جبل قاسيون، لا يخلو من زائر، ولا يأتيه أحد إلا ويضيفه، ويطعمه مما حضر واتفق على حسب الميسور. هذا مع ضرورة ماسّة، وفقر.
وكان ميّالا إلى الفقهاء وأهل العلم، منحازا إلى شعوبهم «٢» ، لا يزال ينظر في كتاب فقه، أو حديث، أو في نسخ شيء من ذلك؛ إما بيده، وإما بيد غيره، أو في مقابلة على شيء كتب.