متق خاف الدنيا وفتكها، وخلّص منها نفسه وفكّها، فلم يعلق بالدنايا، ولم يطلق رسنه من يد المنايا، وطالما دعته الآمال، ورعته الأعمال، فما اغترّ بسرابها، ولا سر بشرابها، ولا رأى صدقها إلا خداعا، ولا سننها إلا ابتداعا، فنفض منها اليدين، فطالب أطماعه بالفراغ منها، مطالبة الغريم بالدّين، ولم يزل على حالته ولم يبرح، حتى سار نعشه على الرقاب ليلحد أو يضرح.
وكان من كبار الصالحين، والأولياء المتورّعين، وله المناقب المشهورة، وله كتاب:" المجالس"«١» وغيره من الكتب المتعلقة بطريق القوم.
وله نظم حسن في طريقهم أيضا، ومن شعره «٢» :
شدّوا المطيّ وقد نالوا المنى بمنى ... وكلّهم بأليم الشوق قد باحا
نسيم قبر النبي المصطفى لهم ... روح إذا شربوا من ذكره راحا
يا واصلين إلى المختار من مضر ... زرتم جسوما وزرنا نحن أرواحا
إنّا أقمنا على عذر وعن قدر ... ومن أقام على عذر كمن راحا «٣»
وبينه وبين القاضي عياض بن موسى اليحصبي «٤» مكاتبات حسنة، وكانت عنده مشاركة في أشياء من العلوم «٥» ، وعناية بالقراءات، وجمع الروايات، واهتمام بطرقها وحملها. وكان العبّاد وأهل الزهد يألفونه ويحمدون صحبته.
وحكى بعض المشايخ الفضلاء أنه رأى بخطه فصلا في حق أبي محمد علي ابن أحمد