للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم من علوم الطريقة والحقيقة ما تقدم، تمهيد العلوم الشرعية، لسلوكه فيه، حتى برع وبزّ أهل زمانه، وساد على أبناء دهره، وأطلق قلمه بالإفتاء، واشتغل عليه أنواع الطلبة، وأخذت عنه طوائف المريدين، وتكلم على رؤوس الأشهاد، وحضر مجلسه الخاص والعام، ولم يزل يشار إليه بالإجلال، ويذكر بالتعظيم.

وكنت أسمع به ولا يقيض لي به لقاء، ثم أصيب بما لم يخل منه مثله، فخلى في بعض مجالسه وقد شرع في كلام ما كمّله، وأخذ في قول ما أتّمه، فقام ابن الكاتب المالكي وقطع عليه الكلام، وأخذ في الإنكار عليه، وقام معه أناس قلائل، وهمّ بهم السواد الأعظم حتى كادوا يثبون بهم، ثم حجز بين الفريقين، ورفع ابن الكاتب القضية إلى الحكام، وكان كلاما يقتضي قبل تمامه ما أوقد حميّة بعض الحكام عليه، فتحدّث مع البقية، ثم حدّثوا السلطان فيه، فاستتشاط غضبا وأمرهم فيه بأمر كاد لا يستدرك، فقيض له من بلّغ السلطان القضية وأوصل إليه الخبر على حقيقته، وعرّفه بمكانة الشيخ، وما هو عليه من العلم، والدين، فسخّره الله له، وقلب تلهّب غيظه عليه بردا وسلاما له، وبعث إلى الحكام بالتمهل في أمره، ثم طلبه السلطان، وادّعى عليه لديه، وسأله عما قال؟. فاعترف، فحكم بصحة إسلامه، وقبول دولته وإبقائه على ماله وزوجته، وعدالته، ومناصبه، بعد استيفاء الشرائط الشرعية، وفعل كما يجب شرعا.

ثم عقد له مجلس بالمدرسة الصالحية، عند قاضي القضاة جلال الدين القزويني «١» ، فطلبه؛ فنزل من القلعة إليه، والناس حوله، وقد ملأ سواد الناس ما بين القلعة والمدرسة، فلما حضر مجلس الحكم العزيز، ادّعى عليه، فأجاب بما حكم به السلطان، وأوصل حكم السلطان بالقاضي القزويني، وحكم حكما آخر مستقلا للشيخ بمثل ذلك، وامتنع من

<<  <  ج: ص:  >  >>