أعرض عن ملاذ الدنيا ورفضها، وفرّغ منها يديه ونفضها، وتجرّد من الدنيا إلا حب يستره، وجب يشهره، كأنما يتوقى من ماطل الفجر أشراكا خاتلة، ومن روائق النجوم نبالا قاتلة، فكان لا يستطيب مندياره مقيلا، ولا يستطب لعثاره مقيلا، فلم يأو جدارا ولا أطما، ولا ألجم رأسه عذارا ولا خطما، حتى انتهى إلى ما بلغ، وشفي كلب الموت من دمه ما ولغ.
قال أبو القاسم صاعد:" هو من تلاميذ فيثاغورس". واقتصر [من علوم الفلسفة] على العلوم الإلهية، وخالف اليونان في عبادة الأصنام، وحاجّ رؤساءهم بالأدلة، فنقدوا العالم عليه «١» ، واضطروا ملكهم إلى قتله، فأودعه السجن، ثم سقاه السم «٢» .
وله وصايا شريفة، وآداب فاضلة، وحكم مشهورة، ومذاهب قريبة من فيثاغورس وبندقليس «٣» ، إلا أن له في المعاد «٤» آراء ضعيفة بعيدة عن محض الفلسفة، خارجة عن المذاهب المحققة".
وكان لا يستودع الحكم الصحف والقراطيس تنزيها لها، ويقول:" الحكمة طاهرة مقدّسة، غير فاسدة، ولا دنسة، فلا ينبغي أن نستودعها إلا الأنفس الحية، وننزهها عن الجلود الميتة، ونصونها عن القلوب المتمردة".
ولم يصنف كتابا، ولا أملى على أحد من تلاميذه ما أثبته في قرطاس؛ وإنما كان يلقنهم علمه تلقينا.