العالم الأدنى اطلاع راحم لأهله، مستوهن لحبله، مستخفّ لثقله، مستحسن «١» به لعقله، مستضل لطرقه، وتذكر نفسه وهي بها لهجة، وببهجتها بهجة، فيعجب منها ومنهم تعجبهم منه، وقد ودّعها، وكان معها كأن ليس معها.
وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وأنفع البر الصدقة، وأزكى العمل الاحتمال «٢» ، وأبطل السعي المراءاة «٣» ، ولن تخلص النفس عن الدرن ما التفت إلى قيل وقال، ومنافسة وجدال، وانفعلت بحال من الأحوال.
وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما ينفرج عن جناب علم، والحكمة أم الفضائل، ومعرفة الله- تعالى- أول الأوائل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ
«٤» .
ثم يقبل على هذه النفس المؤمنة بكمالها الذاتي، فيحرسها عن التلطخ بما يشينها من الهيئات الانقيادية، للنفوس الموادية، التي إذا بقيت في النفس المزينة كان حالها عند الانفصال كحالها عند الاتصال، إذ جوهرها غير مشاوب ولا مخالط، وإنما يدنسها هيئة الانقياد لتلك الصواحب بل تفيدها هيئات الاستيلاء والاستعلاء والرياسة.
وكذلك يهجر الكذب قولا وفعلا، حتى يحدث للنفس هيئة صدوقة، فتصدق الأحلام والرؤيا، وأما اللذات فيستعملها على إصلاح الطبيعة، وإبقاء الشخص والنوع، والسياسة.