منه من الناحية الأخرى، وتكلم الشيخ في النفس بكلام عظيم، وفصاحة بليغة.
قال: وبينما نحن عنده في ذلك الوقت، وإذا بحمامة تدور في الجامع، وخلفها صقر يكاد أن يقتنصها، وهي تطير في جوانب الجامع، إلى أن أعيت، فدخلت الإيوان الذي فيه الشيخ، ومرت طائرة بين الصفين إلى أن رمت بنفسها عنده. فذكر لي شرف الدين ابن عنين أنه عمل شعرا على البديهة، ثم نهض لوقته واستأذنه في أن يورد ما قاله في المعنى. فأمره الشيخ [بذلك] فقال: [الكامل]
جاءت سليمان الزمان بشكوها «١» ... والموت يلمع من جناحي خاطف
من نبّأ الورقاء أن محلّكم ... حرم «٢» وأنك ملجأ للخائف؟
فطرب لها الشيخ فخر الدين، وأدناه وأجلسه قريبا منه، وبعث إليه بعد ما قام من مجلسه خلعة كاملة، ودنانير كثيرة، وبقي دائما يحسن إليه.
قال لي شمس الدين الوتّار: لم ينشد قدامي لابن خطيب الري سوى هذين البيتين، وإنما بعد ذلك زاد فيها أبياتا أخر، هذا قوله.
وقد وجدت هذه الأبيات المزادة في ديوانه على هذا المثال:[الكامل]
يا ابن الكرام المطعمين إذا شتووا ... في كل مخمصة وثلج خاشف «٣»
العاصمين إذا النفوس تطايرت ... بين الصوارم والوشيج الراعف