للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخاه بتلك الحالة، ولا أحد يسمع قوله. وكان دائم الإحسان إليه، وربما يسأله المقام في الري، أو في غيره، وهو يتفقده، ويصله بكل ما يقدر عليه، فكان كلما سأله ذلك يزيد في فعله، ولا ينقص من حاله، ولم يزل كذلك لا ينقطع عنه، ولا يسكت عما هو فيه إلى أن اجتمع الإمام فخر الدين بالسلطان خوارزم شاه، وأنهى إليه حال أخيه، وما يقاسي منه، والتمس منه أن يتركه في بعض المواضع، ويوصي عليه أن لا يمكّن من الخروج والانتقال عن ذلك الموضع، وأن يكون له ما يقوم بكفايته من كل ما يحتاج. فجعله السلطان في بعض القلاع التي له، وأطلق له إقطاعا يقوم به كل سنة بما مبلغه ألف دينار، ولم يزل هناك مقيما حتى قضى الله فيه أمره «١» .

قال: وكان الإمام فخر الدين علّامة وقته في كل العلوم، وكان الخلق يأتون إليه من كل ناحية، وكان الخطيب أيضا بالري، وكان له مجلس عظيم للتدريس، فإذا تكلم بزّ القائلين، وكان عبل البدن باعتدال، عظيم الصدر والرأس، كثّ اللحية، ومات وهو في سن الكهولة، أشمط «٢» شعر اللحية، وكان كثيرا ما يذكر الله تعالى ويستغفره، ويسأله الرحمة والقبول، والتجاوز عن زلله، ويقول:

إنني حصلت من العلوم ما يمكن تحصيله بحسب الطاقة البشرية، وما بقيت أوثر إلا لقاء الله تعالى، والنظر إلى وجهه الكريم.

قال: وخلّف فخر الدين ولدين ذكورا؛ أكبرهما: يلقب بضياء الدين، وله اشتغال ونظر في العلوم. والآخر:- وهو الصغير- لقبه: شمس الدين، وله فطرة فائقة، وذكاء حاذق، وكان كثيرا ما يصفه الإمام فخر الدين بالذكاء ويقول:" إن عاش هذا فإنه يكون أعلم مني! ". وكانت النجابة تتبين فيه من الصغر.

<<  <  ج: ص:  >  >>