حكيم رأى الدنيا بعين الاحتقار، ونظر كل ما فيها بذلّ الافتقار، وزخرت له بحار الحكم، فخاض لججها الغمار، وأذكت له سرجها فجني له من غصونها المهل له الثمار، وتناهى نظره في المآل فلم يزد بصيرة في الاعتبار، ولم يرد زيادة للاختبار، إلا أنه كان جريء اللسان، مسيء الإحسان، خرجت به الفلسفة إلى مهامهها «١» العريضة، فضلّ في فجاجها «٢» الفيح «٣» ، وضلّ في ذيل انفراجها الفسيح، ودام يخبط في سماء سماواتها، ويخطب ولا يلج خطبه أسماع أهل مداواتها، وأغرب مساع نطقه، ومسالك باطله المموّه بحقه، تأدب بأدب الحياء في الوجنات، وذو الإغفاء في المقل السّنات، ولكنه لم يجد أذنا ولم يلق من يعير بصيرته فطنا.
قال ابن أبي أصيبعة «٤» :" مولده ومنشؤه ببغداد، وكان حكيما فيلسوفا، متكلما فاضلا، وأديبا بارعا، وشاعرا مجيدا".