يرجع إلا من مسافة بعيدة، وانقطعا عنه أياما، ثم توسّلا إليه، واعتذرا، وأظهرا التوبة مما فعلاه، فقبل عذرهما، وأذن لهما في الدخول عليه مستمرّين في قراءة الطب على عادتهما، ثم بعد مدة أمرهما بحفظ القرآن، وقراءة التفسير، والحديث، والفقه، وأمرهما بمواظبة الأمور الشرعية، وآدابها وسننها، وعدم الإخلال بذلك حتى بقي ذلك لهما سجية وطبعا، وعادة قد ألفوها. ثم بعد ذلك أخرج لهما الكتاب بعينه، وقال لهما: الآن صلحتما لقراءة هذا الكتاب، وغيره من أمثاله، وابتدأ في إشغالهما فيه، فتعجبا من فعله- رحمه الله تعالى- وهذا يدل على كمال عقله، وتوفّر مروءته.
وحدّثني القاضي أبو مروان الباجي قال: كان أبو زيد عبد الرحمن بن برجان- وزير المنصور- يعادي الحفيد، ويحسده لما يرى من علوّ منزلته، وعلمه، فاحتال عليه في سمّ قدمه إلى الحفيد في بيض وكانت عنده بنت أخته، وكانت أخته وابنتها هذه عالمتين بصناعة الطب، والمداواة، ولهما خبرة جيدة بمداواة النساء، وكانتا تدخلان على نساء المنصور، ولا يقبل للمنصور وأهله ولدا إلا أخت الحفيد أو ابنتها، لما توفيت أمها. فلما أكل الحفيد وبنت أخته ذلك البيض ماتا جميعا، ولم ينفع فيهما علاج.
قال: ولم يمت أبو زيد عبد الرحمن بن برجان إلا مقتولا، قتله بعض أقربائه.
ومن شعره يتشوق إلى ولده «١» : [المتقارب]
ولي واحد مثل فرخ القطا ... صغير تخلّف قلبي لديه
نأت عند داري فيا وحشتي ... لذاك الشخيص وذاك الوجيه