نهر من أعمال طرسوس، فجلس يوما وأخوه المعتصم عليه، وجعلا أرجلهما فيه استبرادا له، وكان أبرد الماء وأرقّه وألذّه. فقال المأمون للمعتصم: أحببت الساعة من أزاذ «١» العراق آكله، وأشرب عليه من هذا الماء البارد.
وسمع صوت حلقة البريد وأجراسه، فقيل: هذا يزيد بن مقبل بريد «٢» العراق؛ فأحضر طبقا من فضة فيه رطب أزاذ!، فعجب من تمنيه، وما تم له، فأكلا وشربا من الماء ونهضا، وتودع المأمون وأقال، ثم نهض محموما، وفصد فظهرت في رقبته نفخة كانت تعتاده، ويراعيها الطبيب إلى أن تنضج، وتفتح، فتبرا.
فقال المعتصم للطبيب- وهو ابن ماسويه-: ما أطرف ما نحن فيه!، تكون الطبيب المفرد المتوحّد في صناعتك، وهذه النفخة تعتاد أمير المؤمنين، ولا تزيلها عنه! وتتلطّف في حسم مادتها حتى لا ترجع إليه؟. والله لئن عادت هذه العلة عليه لأضربنّ عنقك.
فاستطرق ابن ماسويه لقول المعتصم، وانصرف، فحدّث به بعض من يثق به ويأنس منه، فقال: تدري ما قصد المعتصم؟. قال: لا. قال: قد أمرك بقتله! حتى لا تعود النفخة إليه، وإلا فهو يعلم أن الطبيب لا يقدر على دفع الأمراض عن الأجسام، وإنما قال: لا تدعه يعيش ليعود المرض عليه.!
فتعالل ابن ماسويه، وأمر تلميذا له بمشاهدة النفخة، والتردّد إلى المأمون نيابة عنه، والتلميذ يجيئه كل يوم، ويعرف حال المأمون، وما تجدّد له.