المعتضد كان مهيبا، ثم لما نترها قال له: يا أبا الحسن! وكان يكنّيه في الخلوة [وفي الملأ يسميه]- سهوت ووضعت يدي على يدك وما هكذا يجب، لأن العلماء يعلون ولا يعلون.
وحكي أنه اجتاز يوما إلى دار الخلافة، فسمع صياحا وعويلا، فقال: من هذا؟ قالوا: مات القصّاب الذي كان هنا فجأة. فأتى إليه وأمر النساء بالسكوت وأن يعملوا مزوّرة «١» ، وأمر بعض غلمانه أن يضرب القصّاب على كعبه بالعصا.
وجعل يده مجسّة، وما زال ذلك يضرب كعبه إلى أن قال: حسبك. ثم استدعى بقدح وأخرج من كمّه دواء، فذافه «٢» في القدح بقليل ماء، وفتح فم القصّاب وسقاه إياه فأساغه، ووقعت الصيحة في الدار والشارع بأن الطبيب قد أحيا الميّت!. فتقدّم ثابت يغلق الباب، وفتح القصاب عينه، وأطعمه المزوّرة، وأجلسه، وقعد عنده ساعة، وإذا برسل الخليفة يدعونه. فلما مثل بين يديه قال له: يا ثابت! ما هذه المسيحية التي بلغتنا عنك؟.
فقال: يا مولاي! كنت أجتاز بهذا القصاب وأراه يشرّح الكبد، ويطرح عليها الملح، ويأكلها. وكنت أعلم أن سيلحقه سكتة. فأعددت له هذا الدواء، فلما قيل لي اليوم إنه مات فجأة البارحة، علمت أن السكتة قد لحقته، فدخلت إليه فلم أجد له نبضا، فضربته إلى أن حركت نبضه، وسقيته الدواء ففتح عينيه، وأطعمته مزوّرة، والليلة يأكل رغيفا بدرّاج، وفي غد يخرج من بيته.