ففرح الوزير وتقدّم بإبعاد النساء، وأحضر ما وجب من التمريخ «١» والنطول «٢» ، والبخور، والنشوق، واستعمل ما يجب من شد عضد المريض، وأقعده في حضن بعض الحاضرين، وأرسل المبضع بعد التعليق على الواجب من حاله، فخرج الدم، ووقعت البشائر في الدار، ولم يزل يخرج الدم حتى استتم ثلاث مائة درهم من الدم، فانفتحت العين، ولم ينطق، فشدّ اليد الأخرى، ونشّقه ما وجب تنشيقه، ثم فصده ثانيا، وأخرج مثلها من الدم وأكثر، فتكلم، ثم أسقي وأطعم ما وجب، فبرئ من ذلك، وصحّ جسمه، وركب في الرابع إلى الجامع، ومنه إلى ديوان الخليفة، فدعا له، ونثر عليه من الدراهم والدنانير الكثيرة، وحصل لصاعد بن بشر الطبيب مال عظيم، وحشّمه الخليفة والوزير، وقدّمه، وزكّاه، وتقدّم على جميع من كان في زمانه.
ووجدت صاعد بن بشر قد ذكر في مقالته في مرض المراقيا ما عاينه في ذلك الزمان من أهوال وجدها، ومخاوف شاهدها، ما هذا نصه:" وإنه عرض لنا من تضايق الزمان علينا والتشاغل بالتماس الأمر الضروري، ولما قد شملنا من الخوف والحذر والفزع، واختلاف السلاطين، وما قد بلينا به مع ذلك من التنقل في المواضع غربيّها وشرقيّها، ولما قد أظلّنا من الأمور المذعرة المخوفة، التي لا نرجو في كشفها إلا الله تقدّس اسمه". هذا ما ذكره، وما كان في أيامه إلا اختلاف ملوك الإسلام بعضهم مع بعض، وكان الناس سالمين في أنفسهم، آمنين من القتل والسبي، فكيف لو شاهد ما شاهدنا، ونظر ما نظرنا في زماننا من التتر الذين أهلكوا العباد، وخرّبوا البلاد، وكونهم إذا أتوا إلى مدينة فما لهم إلا قتل جميع