قال ابن أبي أصيبعة:" كان علاما بالطب، حسن المعالجة لطيف التدبير، فيلسوفا من المشار إليهم في العلم، متقنا للغة الهند، ولغة الفرس، وهو الذي نقل كتاب" شاناق" في السموم- إلى الفارسية، وكان في زمان الرشيد، وأتى العراق في أيامه، ثم عرف العربية فكان ينقل إليها.
ومن أخبار الخلفاء أن الرشيد اعتلّ علّة صعبة لم يجد فيها طب الأطباء، فقال له أبو عمر الأعجمي: يا أمير المؤمنين!، بالهند طبيب يقال له: منكه هو أوحد عبّادهم وفلاسفتهم، فلو بعثت إليه لعلّ الله يهبك الشفاء على يده.
فجهّز من وصله صلة تعينه على سفره، وحمله إليه، فعالجه فبرأ فأجرى عليه رزقا واسعا، وأموالا كافية، ثم بينما هو مارّ بالخلد «١» ، إذا هو برجل قد بسط كساءه وألقى عليه عقاقير كثيرة، وقام يصف دواء معجونا. فقال: هذا دواء لكذا وكذا، وعدّد أسقاما كثيرة، وأدواء مختلفة، حتى لم يدع عارضا إلا ذكر أن ذلك الدواء شفاؤه. فتبسّم منكة ثم قال: على كل حال ملك العرب جاهل، لأنه إن كان الأمر على ما يقول هذا فما الذي حمله على أن حملني من بلادي إليه، وأبعدني عن أهلي، وتكلّف الكثير من مؤونتي، وهو يجد هذا نصب عينيه، وإزاء ناظره؟.
وإن كان على غير ما يقول فلم لا يقتله لأن الشريعة قد أباحت دم هذا ومن أشبهه لأنه إن قتل إنما هي نفس يحيا بموتها أنفس، وإن ترك وهذا الجهل قتل كل يوم أنفسا، وهذا فساد في الذهن، ووهن في الملك.